يقول العلامة: الحافظ بن حجر الحنبلي
"من كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح، ومن كان بالعكس فهو مذموم".
والسلف أقل الناس كلاماً وتوسعاً في العلوم، لكن علمهم علم نافع في قلوبهم
ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك، وهذا هو الفقه والعلم النافع
فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثوراً عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ينتهي إلى أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم
[كابن المبارك، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، واسحق، وأبي عبيد، ونحوهم].
فضبط ما روي عنهم في ذلك أفضل العلم، مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه، وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه، إلا أن يكون شرحاً لكلام يتعلق من كلامهم.
وأما ما كان مخالفاً لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعة فيه، وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة.
فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة
ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله
ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة مالا يهتدى إليه من بعدهم ولا يلم يه.
فمن لم يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير كله مع ما يقع في كثير من الباطل متابعة لمن تأخر عنهم.
قال الأوزاعي: "العلم ما جاء به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فما كان غير ذلك فليس بعلم".
وفي زماننا يتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد.
وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم، فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة
وحدث من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ونحوهم وهو أشد مخالفة لها
لشذوذه عن الأئمة وانفراده عنهم بفهم يفهمه، أو يأخذ مالم يأخذ به الأئمة من قبله.
وفي الجملة ففي هذه الأزمان الفاسدة إما أن يرضى الإنسان لنفسه أن يكون عالماً عند اللَه
ولا يرضى إلا بأن يكون عند أهل الزمان عالماً فإن رضي بالأول فليكتف بعلم اللَه فيه.
ومن كان بينه وبين اللَه معرفة اكتفى بمعرفة اللَه إياه
ومن لم يرض إلا بأن يكون عالماً عند الناس دخل في قوله صلى الله عليه وسلم:
(من طلب العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه؛ أدخله الله جهنم) (صحيح الترغيب: 109).
وللعلم النافع علامات سأوردها كما قالها العلامة الحافظ بن حجر رحمه الله
فانتظروا يرحمنا ويرحمكم الله ويلحقنا بأولياءه بالصالحين