صفوة الخلان
يا هلا وغلا والله
أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا
في منتدى صفوة الخلان
ونأمل من الله أن تنشري لنا كل مالديك
من إبداعات ومشاركات جديده
لتضعيها لنا في هذا القالب المميز
نكرر الترحيب بك
وننتظر جديدك المبدع
مع خالص شكري وتقديري
صفوة الخلان
يا هلا وغلا والله
أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا
في منتدى صفوة الخلان
ونأمل من الله أن تنشري لنا كل مالديك
من إبداعات ومشاركات جديده
لتضعيها لنا في هذا القالب المميز
نكرر الترحيب بك
وننتظر جديدك المبدع
مع خالص شكري وتقديري
صفوة الخلان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي يهدف الى إتباع الدين وتنوير العقل وتطوير الذات
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 اثار الاخلاق على غيرك

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
طيور الفردوس
مشرفة
مشرفة
طيور الفردوس


عدد المساهمات : 1107
تاريخ الميلاد : 30/12/1989
تاريخ التسجيل : 17/03/2012
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالبة
المزاج : الحمد والشكر لله
أوسمة العضو : وسام الإبداع

اثار الاخلاق على غيرك Empty
مُساهمةموضوع: اثار الاخلاق على غيرك   اثار الاخلاق على غيرك Icon_minitime1الثلاثاء فبراير 05, 2013 10:15 am

مقدمة:

الحمد للّه الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، القائل في محكم
تنزيله، في وصف نبينا محمد r،
﴿وَإِنَّكَ
لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم: ٤ ،ثم الصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على النذير البشير،
خاتم الأنبياء والمرسلين، القائل:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وعلى
سائر الأنبياء والمرسلين الذين امتازوا بفضائل الأخلاق ومحاسن العادات، فكانوا
للناس أئمة مهداة وقدوة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الأخلاق
الإسلامية من أهم ما جاءت الشريعة الإسلامية لترسيخها وتثبيتها بين الأفراد
والمجتمع؛ لأن بها تستقيم الحياة وتنشر المودة والرحمة، والسعادة؛ ولهذا حث
الإسلام عليها ورغب فيها وجعلها من كمال الإيمان، فركز على غرسها في نفوس أبنائه.
وهي تشمل سلوك الإنسان في حياته الخاصة وحياته مع غيره في مختلف المجالات
الاجتماعية والعلمية والسياسية وغيرها.

وهي أيضا ملازمة
لقوة الإيمان فكلاهما يؤثر في الآخر ويتأثر به؛ لذا فالدين القيم والأخلاق الفاضلة
ضروريان لكل مجتمع ليرتفع بهما إلى أعلى المستويات ويرتقي بهما إلى أعلى الدرجات،وحين
يتخلى أي مجتمع عنهما يرتكس إلى أسفل الدركات.

ونظرا إلى أهمية الأخلاق في الإسلام فقد أفردها علماء
المسلمين بالتأليف والتصنيف قديما وحديثا، وبينوا أهميتها ومكانتها وأثرها في
الفرد والمجتمع.

ويعتبر العلامة
النورسي، بديع زمانه وفريد دهره ووحيد عصره من أهم العلماء المعاصرين الذي اهتم
بموضوع الأخلاق، فخصص لها حيزا كبيرا في رسائله القيمة وبين أهميتها ومكانتها
وفوائدها ومقاصدها، ودورها في تقدم المجتمع وتقهقره، وأعطاها مفهوما واسعا
شاملا لا تكاد تجده عند غيره وتناولها بشكل متميز حري أن يدرس؛
ولهذا رأينا أن نشارك في هذه الندوة
العلمية الدولية التي تنظمها كلية الشريعة بتعاون مع مركز الثقافة والعلوم
بإستنبول حول النورسي ،بهذه المساهمة المتواضعة التي بعنوان: " الأخلاق عند النورسي وأثرها في الفرد
والمجتمع ". وقد تناولنا الموضوع في أربعة مباحث وخاتمة

ففي المبحث الأول
تحدثنا عن تعريف الأخلاق، وأهميتها في الإسلام.

وفي المبحث
الثاني : بينا مصادر الأخلاق ومبادئها عند العلامة النورسي

وفي المبحث الثالث:
ذكرنا أثر الأخلاق في الفرد والمجتمع من خلال رسائل النور.

وفي المبحث
الرابع : تعرضنا لوسائل اكتساب الأخلاق الفاضلة من خلال كليات رسائل النورسي.

أما في الخاتمة
فقد دونا فيها أهم ما توصلنا إليه من نتائج

المبحث الأول: تعريف الأخلاق وأهميتها في الإسلام:

أولا- تعريف الأخلاق:

1-تعريف الأخلاق لغة:

قال الراغب الإصفهاني في تعريف الأخلاق: الخلق أصله : التقدير
المستقيم، ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء، ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ ([1])
أي أبدعهما...

ويستعمل في إيجاد الشيء من
الشيء نحو قوله ﴿يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ ([2])

الخلق بفتح الخاء وسكون
اللام والخلق بضم الخاء في الأصل واحد.... لكن خص الخلق – بفتح الخاء وسكون اللام
– بالهيآت والأشكال والصور المدركة بالبصر... وخص الخلق بضم الخاء بالقوى والسجايا
المدركة بالبصيرة ([3])،﴿وَإِنَّكَ لَعَلى
خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾Sad[4])

وقال الجوهري في الصحاح:
" ... والخلق بسكون اللام وضمها: السجية، وفلان يتخلق بغير خلقه أي يتكلفه
" ([5])

وفي لسان العرب :
"... الخلقة – بكسر الخاء - : الفطرة ... والخلق – بفتح الخاء وسكون اللام –
والخلق – بضم الخاء واللام- السجية.. الخلق- بضم اللام وسكونها : هو الدين والطبع
والسجية. وحقيقته أنه صورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه، وأوصافها ومعانيها المختصة
بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها.."([6])

إذًا الأخلاق لغة هي:" التصرفات الإنسانية الصادرة عن
أوصاف النفس وسجاياها الباطنة. أو هي سيماء النفس وصورتها الباطنة " ([7])

2- تعريف الأخلاق اصطلاحا:

أ- عرفه الإمام الغزالي
بقوله:

"... الخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تصدر
الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورواية. فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها
الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعا سميت ذلك الهيئة خلقا حسنا، وإن كان الصادر
عنها الأفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا سيئا..." ([8])
وهذا يعني أن الأخلاق تنقسم إلى قسمين: أخلاق محمودة وهي التي تهمنا هنا، وأخلاق
مذمومة.

ب- وصفه ابن المبارك بقوله : " الخلق الحسن هو بسط الوجه
وبذل المعروف وكف الأذى " ([9])

ج–أما عند العلامة النورسي
فـ"هي:نظام القرآن الذي يطبع صورة الروح الإنسانية بماهيتها ويسلك بها مدارج
التربية والمجاهدة،لاكتساب معناها الكوني" ([10])

وعلى هذا يمكن القول بأن الأخلاق عبارة عن صفة مستقرة في النفس
فطرية أو مكتسبة ذات آثار في السلوك محمودة أو مذمومة.([11])

ثانيا- :
أهمية الأخلاق في الإسلام:

إن الإسلام يحث على الأخلاق الحميدة ويرغب
فيها، بل يجعلها من كمال الإيمان. وهي ضرورة لسعادة الشعوب وازدهارها وقيام الدول
وبقائها؛ ولذا ركز الإسلام على غرسها في نفوس المسلمين. ولا تجد آية في القرآن إلا
وفيها حض على التحلي بمكارم الأخلاق والتخلي بالأخلاق المذمومة، يقول العلامة
النورسي: " لا تجد في القرآن آية إلا وتوحي بمحبة شديدة للّه... وفيه حث كبير
على الفضيلة خلا تلك القواعد الخاصة بالسلوك الخلقي... وفيه دعوة كبير إلى تبادل
العواطف وحسن المقاصد والصفح عن الشتائم، وفيه مقت للعجب والغضب، وفيه إشارة إلى
أن الذنب قد يكون بالفكر والنظر، وفيه حض على الإيفاء بالعهود حتى مع الكافرين،
وتحريض على خفض الجناح والتواضع وعلى استغفار الناس لمن يسيئون إليهم، لا لعنهم
ويكفي جميع تلك الأقوال الجامعة المملوءة حكمة ورشدا لإثبات صفاء قواعد الأخلاق في
القرآن...إنه أبصر كل شيء.." ([12])

ومما يدل على أهمية
الأخلاق وقيمتها في الإسلام النصوص الواردة في ذلك منها:

ما رواه الترمذي عن أبي
الدرداء عن النبي r: " ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن
اللّه ليبغض الفاحش البذيء "([13])

وروى أبو داود
عن عائشة قالت: سمعت رسول اللّه r
يقول: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم
القائم " ([14])

وروى الترمذي
عن أبي هريرة قال: سئل رسول اللّه r
عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى اللّه وحسن
الخلق " ([15])

وروى الترمذي
عن جابر بن عبد اللّه أن رسول اللّه r قال: إن من أحبكم إلي و
أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا
يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون و المتفيهقون ..." ([16])

وروى
الترمذي أيضا عن أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللّه
r أكْمَلُ
الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ
لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا " ([17])

ولا شك أن هذه
النصوص وغيرها التي لم نسردها لضيق المجال تبين المكانة التي يحتلها حسن الخلق في
الإسلام؛ ولهذا جعلها العلامة النورسي الوظيفة الأساسية لوجود الإنسان في هذا
الكون : " إن الغاية القصوى للإنسانية والوظيفة الأساسية للبشرية هي التخلق
بالأخلاق الإلهية، أي التحلي بالسجايا السامية والخصال الحميدة –التي يأمر بها اللّه
سبحانه– وأن يعلم الإنسان عجزه فيلتجئ إلى قدرته تعالى ويرى ضعفه فيحتمي بقوته
تعالى، ويشاهد فقره فيلوذ برحمته تعالى وينظر إلى حاجته فيستمد من غناه تعالى
ويعرف قصوره فيستغفر ربه تعالى، ويلمس نقصه فيسبح ويقدس كماله تعالى " ([18])

ويوضح العلامة
النورسي هذا المعنى ويؤكده في مكان آخر من كلماته بقوله: "... من القواعد
المقررة للنبوة في حياة الإنسان الشخصية، التخلق بأخلاق اللّه أي كونوا عباد اللّه
المخلصين، متحلين بأخلاق اللّه محتمين بحماه معترفين في قرارة أنفسكم بعجزكم
وفقركم وقصوركم " ([19])

ولما كان
الرسول صلى اللّه عليه وسلم أعظم من يجسد حسن الخلق في الإنسانية جمعاء جعله
العلامة النورسي أكبر معجزة أعطي النبي r
بعد
القرآن في إشارته السابعة عشرة: " إن
أعظم معجزة للرسول الكريم
r
بعد
القرآن الكريم هو ذاته المباركة أي ما اجتمع فيه r من الأخلاق
السامية والخصال الفاضلة، وقد اتفقت الأعداء، والأولياء على أنه أعلى الناس قدرا
وأعظمهم محلا وأكملهم محاسن وفضلا..."([20])

ولأهمية مكارم
الأخلاق في حياة البشرية عامة وفي حياة المسلمين خاصة يعتبر العلامة النورسي أن ما
يعانيه المسلمون اليوم من أزمة إنما هو أزمة أخلاق . ولا يمكن الخروج من هذه
الأزمة إلا إذا أصلحنا أخلاقنا و رجعنا إلى ما يأمرنا به اللّه ورسوله و الامتثال
بأوامر هما .

هكذا يظهر لنا
من خلال هذه النصوص المقتطفة من كليات رسائل النور كيف أعطى الأخلاق أهمية كبيرة
في مكتوباته وكلماته وغيرهما من مؤلفاته القيمة وبين أنها من أهم ما ينبغي أن
يعتمد عليه الأمة الإسلامية ليتقدم، وأعزى تقهقر الدعوة الإسلامية وتخلف المسلين إلى
تخليهم عن مكارم الأخلاق التي يدعو إليها الإسلام، وللّه دره حيث يقول: "...
ولو أننا أظهرنا بأفعالنا وسلوكنا مكارم أخلاق الإسلام وكمال حقائق الإيمان لدخل
أتباع الأديان الأخرى في الإسلام جماعات وأفواجا، بل ربما رضخت دول العالم وقاراته
للإسلام.." ([21])

المبحث الثاني : مصادرها ومبادئها عند العلامة
النورسي:

إن المنظومة
الأخلاقية عند النورسي منظومة متكاملة تستقي قوتها من القرآن والسنة النبوية، وتتسم
بالعمومية والشمولية والنسقية والتكاملية. وتعتمد على عدة مبادىء وأسس التي تجعلها
منظومة أخلاقية متكاملة مترابطة لا غنى لأي مسلم عنها.

أولا- مصادر الأخلاق عند العلامة النورسي:

يلاحظ في رسائل
العلامة النورسي أن من أهم مصادر الأخلاق ما يلي:

1-الفطرة:

الفطرة
هي طبيعة الإنسان وأخلاقه التي بها خلق منذ نشأته الأولى، قبل أن تغيره البيئة
وتؤثر فيه، فكل إنسان مولود على الفطرة لكن البيئة أو المجتمع هو الذي يؤثر على
طبيعته الأخلاقية وتدينه فتغيره من حسن إلى أحسن أو من طبيعته الفطرية الحسنة إلى
طبيعة سيئة، يقول سبحانه ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ([22])
ويقول النَّبِيُّ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ
عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ
يُمَجِّسَانِهِ كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا
جَدْعَاءَ.."
([23])

إن
هذين النصين يؤكدان على أن الإنسان يولد على الفطرة؛ ولذا يرى العلامة النورسي أن
الأخلاق الحميدة فطرية في الإنسان، وأنها مركوزة في داخله ومقوم أساسي من مقومات
ذاتيته، فهو يحب الخير ويحب الصدق ويكره الكذب فطريا، فهذا يؤكد أن الأخلاق
الحميدة فطرية في الإنسان . أما الأخلاق المذمومة، وإن وجدت في الإنسان، فإنما هي
بالتبعية وليس بالأصالة. وفي هذا يقول العلامة النورسي: "... ما دام الميل
نحو الكمال قانونا فطريا في الكون، وقد أدرج في فطرة البشرية، فإن الحق والحقيقة
سيظهران في المستقبل على يد العالم الإسلامي... ثبت بالبحث والتحري الدقيق
والاستقراء والتجارب العديدة للعلوم : أن
الخير و الحسن والجمال والإتقان والكمال هو السائد المطلق في نظام الكون وهو
المقصود لذاته، أي هو المقاصد الحقيقية للصانع الجليل... كما أن الاستقراء التام
والتجارب الشاملة يثبت أن الشر والقبح والباطل والسيئات جزئي وتبعي وثانوي في خلقة
الكون... الشرور والقبائح الجزئية خلقت في الكون لتكون وسيلة لإظهار أنواع الخير
والجمال الكليين.." ([24])

ومما يؤكد عند
العلامة النورسي فطرية الأخلاق في الإنسان أن كلمتي (الخلق) – بفتح الخاء وسكون
اللام- و(الخلق ) – بضم الخاء واللام – في اللغة مشتقان من فعل واحد وهو ( خلق)([25])



2 -المصدر
الثاني: القرآن

يرى العلامة
النورسي أن القرآن الكريم هو أهم مصدر للأخلاق؛ لأنه دستور المسلمين الذي ينبغي
الاعتماد عليه واستمداد كل شيء منه، فأي أخلاق استقي خارج القرآن فليس أخلاقا
معتبرة شرعيا، ولذا يصور الأخلاق من خلال رسائله بأنها : " نظام القرآن الذي
يطبع صورة الروح الإنسانية بماهيتها، ويسلك بها مدارج التربية والمجاهدة لاكتساب
معناها الكوني "([26]) .

وبما أن القرآن
هو المصدر الأساسي للأخلاق فكل من نهل من معينه فلا بد أن يتأثر به ويتخلق بأخلاق
الكون السائر إلى اللّه يقول تعالى: ﴿لَوْ
أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا
مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ﴾
الحشر: ٢١. ثم إن القرآن لما جاء بمنظومة أخلاقية متكاملة
شاملة فإنه حوى كل ما جاءت به الكتب السماوية الأخرى من أخلاق سامية وأزيد مما جاء فيها . ([27])

3- المصدر
الثالث: الرسول

يعتبر الرسول rالذي جاء متمما
لمكارم الأخلاق أعظم من يجسد أخلاق القرآن حتى وصفته عائشة رضي اللّه عنها بقوله (
كان خلقه القرآن)، وسيرته التي تعتبر تجليا وتطبيقا للأخلاق القرآنية، من أهم
مصادر الأخلاق. يقول العلامة النورسي: " إن آثار محمد r
و
سيرته المباركة وتاريخ حياته تشهد – مع تسليم أعدائه – بأنه لعلى خلق عظيم، وأنه
قد اجتمعت فيه الخصال العالية كافة ..." ([28])
و مما يؤكد ذلك محاسن الأخلاق في دينه
القويم. ([29]) ولهذا فكل مسلم
مأمور بالتخلق بأخلاقه وإحياء سنته الغراء.

وإذا كان الرسول
r هو أعظم من يجسد ما بينه القرآن من محاسن الأخلاق، وهو أفضل من
تمثلت فيه تلك الأخلاق، بل خلق فطرة على تلك المحاسن فإن هذا يعني أنه لا تكتمل
محبته إلا باتباع سنته، وأن مقياس هذا الاتباع رهين بدرجة التخلق بأخلاقه ذلك أن اللّه
" سبحانه لحبه أخلاق مخلوقاته يحب محمد r
إذ
هو في ذروة الأخلاق الحميدة كما اتفق عليه الأولياء والأعداء، ويحب كذلك من يتشبهون
به في الأخلاق كل حسب درجته.." ([30])
ثم إن التشبه به؛ يعني التحلي بأسمى مكارم الأخلاق والاعتراف بالعبودية للّه تعالى،
يقول العلامة النورسي : "... من القواعد المقررة للنبوة في حياة الإنسان
الشخصية التخلق بأخلاق اللّه، أي كونوا عباد اللّه المخلصين، متحلين بأخلاق اللّه
محتمين بحماه معترفين في قرارة أنفسكم بعجزكم وفقركم وقصوركم..."([31])
وهذا التخلق يظهر في السلوك والتعامل مع
الناس.

ولا شك أن هذه
النصوص تؤكد و تبين أن القرآن والسنة من أهم مصادر الأخلاق بالنسبة للمسلم،كما
يستنبط منها أن هذين المصدرين وجهان لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما في مجال
التنظير والممارسة الأخلاقية، كما لا يمكن التفريق بينهما في مجال التشريع، يقول
سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾آل عمران: ٣١ ويقول الرَسُولِ r: "أَلَا
إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ..."([32])

ثانيا-مبادىء
أو أسس الأخلاق عند النورسي:

إن نظرية الأخلاق من
خلال رسائل العلامة النورسي تعتمد على
عدة مبادىء منها:

1 -مبدأ
التدين:

يظهر من خلال بعض
رسائل النورسي أن من أهم مبادىء أو أسس الأخلاق
التدين؛ لأن الدين الصحيح هو الذي يقوي الأخلاق في الإنسان، ويرفعه
إلى أعلى المستويات، ويرتقي به إلى أسمى
الدرجات ؛ولذا فالدين والأخلاق الفاضلة ضروريان لنجاح أي مجتمع فلا أخلاق بدون دين
ولا دين بدون أخلاق .

ونظرا لهذا
التلازم بين الدين والأخلاق يرى العلامة النورسي، " أن إصابة الأمة في قلبها
إنما هو من ضعف الدين، ولن تنعم بالصحة إلا بتقوية الدين..." ([33])
ويوضح هذا المعنى في مكان آخر بقوله : " إن الإيمان يقيم دائما في القلب
والعقل حارسا معنويا، أمينا؛ لذا كلما صدرت ميول فاسدة عن تطلعات النفس والنوازع
والأحاسيس المادية قال لها ذلك الحارس الرادع: محظور.. ممنوع...فيطردها
ويهزمها.." ([34]).

وهكذا يظهر أن
الدين من أهم مبادىء الأخلاق وأنه لا يمكن الفصل بينهما، وأن الدين إنما جاء
لتثبيت الأخلاق، ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاجه: " واللّه فطر
عباده على معرفة الحق والرسل بعثت بتكميل الفطرة لا بتغيير الفطرة..." ([35])

ويقول
الدكتور عبد اللّه دراز :" لن يكون دور هذه الشريعة الجديدة -بلا ريب- أن تبطل قانون الفطرة؛
لأنهما حقيقتان، ما كان لهما أن تتعارضا ولكن دور الشريعة الإلهية أن تثبت قانون
الفطرة وأن تمنحه سندا متينا وذلك ٍبعد أن تستخلصه بكل نقائه وطهارته..." ([36])
ويقول الرسول الكريم r:" بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الْأَخْلَاقِ " ([37])

وخلاصة القول:
إن الأخلاق مبنية على الدين ولا يمكن الفصل بينهما. فهي فطرة في الإنسان وجاء
الدين ليثبتها ويغرسها فيه، و أي خلل في أحدهما يؤثر في الآخر.وللّه در الحكيم
الهندي غاندي حين قال: " إن الدين ومكارم الأخلاق هما شيء واحد لا يقبلان
الانفصال ... ولا يفترق بعضها عن بعض فهما وحدة لا يتجزآن، وأن الدين كالروح
للأخلاق، والأخلاق كالجسم للروح، وبعبارة أخرى، الدين يغذي الأخلاق وينميها
وينعشها كما أن الماء يغذي الزرع وينميه "([38])

وصدق الرسول r
إذ
يقول: " لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا
دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ "([39])

2- مبدأ الشمولية ونبذ الأنانية:

إن المنظومة الأخلاقية من خلال رسائل النورسي تتسم بالشمولية
والعمومية، فهي شملت جميع قطاعات الحياة التي تتمثل في علاقة الإنسان بربه وعلاقة
الإنسان مع أفراد مجتمعه وعلاقته مع الكائنات الحية التي تعيش معها في عالم واحد.

ومن هذا المنظور تحدث عن الشورى والعدل والصدق والتعاون
والأخوة والمواساة ومساعدة الآخرين
والتقدم والتطور وغيرها من الصفات الحميدة التي يدعو إليها الإسلام ويحض المسلمين
عليها([40])

كما أن هذه المنظومة الأخلاقية تتسم بنبذ الأنانية والنفعية
والانتهازية، فالعلامة النورسي يرى أن جميع الأخلاق الرذيلة تنبع من الأنانية وحب
الذات وكراهية الغير. ونقتطف شيئا من كلماته الرائعة تؤكد ما قلنا،يقول العلامة
النورسي: "... لو أمعنت النظر في صحيفة العالم نظرا تاريخيا وتأملت في مساوي
جمعية البشر لرأيت أس أساس جميع اختلالاتها وفسادها، ومنبع كل الأخلاق الرذيلة في
الهيئة الاجتماعية كلمتين فقط:

أحداهما: " إن شبعت فلا علي أن يموت غيري من
الجوع "

والثانية: " اكتسب أنت لآكل أنا. واتعب أنت لأستريح
أنا "

فالكلمة الأولى الغدارة النهمة الشنعاء هي التي زلزلت
العالم الإنساني فأشرف على الخراب. والقاطع
لعرق تلك الكلمة ليس إلا الزكاة.

والكلمة الثانية الظالمة الحريصة الشوهاء هي التي هارت بترقيات
البشر فأوشك أن تنهار بها في نار الهرج والمرج . والمستأصل والدواء لتلك الكلمة
ليس إلا ٍ " حرمة الربا"..."([41])

وهكذا يتبين أن المنظومة الأخلاقية عند العلامة النورسي
يتميز بالشمولية حيث تناول جميع القطاعات والمجالات، ويتسم بنبذ الأنانية حيث يرى
أن الأنانية منبع جميع الأخلاق المذمومة، ولتجنب هذه الآفات قدم مجموعة من الحلول
والبدائل، إذا اتبعها المسلم سلم من هذه الآفات.

على أن العلامة النورسي بهذه الطريقة الواقعية التي تتميز
بتشخيص الداء، وتقديم الدواء الناجع له، يظهر بمظهر المصلح المخلص الواعي، الذي
يؤرقه هموم مجتمعه، والذي في تفكير دائم
لإيجاد الحلول المناسبة لمشاكل مجتمعه، وبهذا استطاع أن يؤثر في مجتمعه، وكل
من قرأ رسائله.

ولا ريب أن هذا المنهج القويم الذي يربط بين العلم والتطبيق
وبين تشخيص الداء وتقديم الدواء الناجع له ويطرح القضايا ويعطي الحلول المناسبة هو
الذي يحتاج إليه دعاة هذا العصر؛ لأننا
نعيش في مجتمع لا يكفي أن تطرح قضية أو تمنعها دون إعطاء حلول أو بدائل، بل لابد
من تقديم حلول وبدائل مناسبة للقضايا التي تطرحها. ولعل غياب هذا المنهج القويم في
دعوة كثير من دعاتنا هو سبب فشل كثير منهم
في مهمتهم الدعوية. ولهذا نرى أن رسائل النورسي تعتبر مراجع مهمة لكل داعية يريد
أن ينجح في مهمته، ويؤثر في مجتمعه.

3- مبدأ النسبية:

إن المنظومة
الأخلاقية عند النورسي تعتمد على مبدأ النسبية حيث نجد العلامة النورسي ينص في بعض رسائله على نسبية الأخلاق، ومن ذلك
قوله: "...إن الفضائل والأخلاق، وكذا الحسن والخير أغلبها أمور نسبية، تتغير
كلما عبرت من نوع إلى آخر، وتتباين كلما نزلت من صنف إلى صنف، وتختلف كلما بدلت
مكانا بمكان، وتتبدل باختلاف الجهات، وتتفاوت ماهيتها كلما علت من الفرد إلى
الجماعة، ومن الشخص إلى الأمة.

فمثلا : الشجاعة
والكرم في الرجل تدفعانه إلى النخوة والتعاون، بينما تسوقان المرأة إلى النشوزٍ
والوقاحة وخرق حقوق الزوج.

ومثلا: إن عزة النفس التي يشعر بها الضعيف تجاه القوي، لو
كانت في القوي لكانت تكبرا، وكذلك التواضع الذي يشعر به القوي تجاه الضعيف، لو كان
في الضعيف لكان تذللا. "([42])

ويقول في مكان آخر: "... وحيث إن الحسن النسبي والخير
النسبي كثير جدا.."([43])

على أن ما ينبغي التنبيه إليه هنا أن نسبية الأخلاق التي
نتحدث عنها هنا يعني في التوظيف، وليس في اعتبار أصول الأخلاق.

ذلك إن أصول الأخلاق ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، لكن توظيفها
أو التحلي بها قد يتغير من حال إلى حال ومن شخص إلى آخر، ومن مكان إلى مكان. أما
القيم الأخرى غير الأصول فهي نسبية في أصلها مثل الحسن والقبح.

4- مبدأ الواقعية أو مراعاة الحال:

هذا المبدأ كأنه توكيد أو توضيح للمبدأ السابق من جهة. ذلك
أن التحلي بمكارم الأخلاق مطلوب لكن إذا أدى توظيفها إلى مفسدة راجحة أو فتنة فإنه
ينبغي التخلي عنها ولو مؤقتا. ٍٍ

فمثلا: التحلي بالصدق والتصريح به مطلوب لكن إذا أدى
التصريح به إلى مفسدة راجحة ينبغي عدم التصريح به . وفي هذا يقول العلامة النورسي:
”... عليك أن تصدق في كل ما تتكلمه، ولكن ليس صوابا أن تقول كل صدق، فإذا ما أدى
الصدق أحيانا إلى ضرر فينبغي السكوت. أما الكذب فلا يسمح له قطعا.عليك أن تقول
الحق في كل ما تقوله ولكن لا يحق لك أن تقول كل حق، لأنه إن لم يكن الحق خالصا فقد
يؤثر تأثيرا سيئا فتضع الحق في غير موضعه."([44])

لا ريب أن هذا المبدأ سليم، ينبغي لكل داعية أو مصلح أن يراعيه في دعوته وفي إصلاحه. وهذا
المبدأ كان معروفا عند العلماء القدامى بمراعاة مآلات الأفعال التي اعتبرها الإمام
الشاطبي أصلا من أصول التشريع.([45])

5- مبدأ النسقية أو
الترابط والانسجام:

نعني بهذا المبدأ أن الكيفية التي طرح بها العلامة النورسي
الأخلاق في رسائله القيمة تؤدي إلى الانسجام والترابط بين القول والعمل وبين النظر
والتطبيق. ذلك أنه لا يمكن التحلي بمكارم الأخلاق والتخلي بها في نفس الوقت؛ لأن
هذا يؤدي إلى التناقض. فالإنسان لا يمكن أن يكون متخلقا بخلق حسن، ثم يصدر منه بعض
التصرفات المشينة، كما أنه لا يعقل أن يأمر بشيء ولا يأتيه أو ينهى عن شيء ثم
يرتكبه، يقول سبحانه وتعالى ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ
أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ([46]) ويقول تعالى أيضا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ
تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ ([47]).

يقول الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم

وانطلاقا من هذا المبدأ رأى العلامة النورسي أن سبب تأخر
المسلمين، وكل ما هم فيه من المشاكل والأزمات في الوقت الراهن يرجع إلى عدم التحلي
بهذا المبدإ الذي يقتضي ربط القول بالعمل والتناسق والانسجام بين أفعالنا وما
يأمرنا به ديننا الحنيف الذي هو الإسلام.

علما أن تطبيق هذا المبدأ هو الذي أدى إلى تقدم أسلافنا
ونجاحهم في مهمتهم الدعوية وتأثيرهم في جميع الناس. يقول العلامة
النورسي:"... إن الأخلاق العالية إنما تتصل بأرض الحقيقة " بالجدية " وأن إدامة حياتها
وانتظام مجموعها إنما هي " بالصدق " ومتى انقطعت عرى الصدق والجدية منها
صارت كهشيم تذروه الرياح." ([48]) كما يرى أن "... الأخلاق السامية كذلك لا
تسمح أصلا بتداخل الحيلة والكذب بينها، بل تتنزه وتتبرأ وتترفع عنها بحكمة التضاد
فيما بينها..." ([49]) ويقول أيضا:
"... نريد أن تصدقوا قولكم بفعلكم..."([50])

وهكذا يظهر أن العلامة النورسي يعتبر الأخلاق علما وعملا
وفكرا وسلوكا، بل يرى أن المسلمين لو التزموا بمكارم الأخلاق التي يحث عليها
الإسلام لكانوا سادة العالم اليوم ولأعتنق كثير من الناس الإسلام . ونقتطف من رحيق
كلامه ما يؤيد ما قلنا وينير دروبه: " ...لو أننا أظهرنا بأفعالنا وسلوكنا
مكارم أخلاق الإسلام وكمال حقائق الإيمان لدخل أتباع الأديان الأخرى في الإسلام
جماعات وأفواجا . بل لربما رضخت دول العالم وقاراته للإسلام."([51])

6- مبدأ العبودية للّه:

إن منظومة الأخلاق من خلال رسائل النور تتسم بمبدإ العبودية
للّه تعالى، ونعني بالعبودية هنا أن التحلي ببعض مكارم الأخلاق يعتبر عبادة للّه
تعالى حينما يحتسب المتحلي بها أجره من اللّه.

فمثلا: الصبر على الشدائد والعفو عند المقدرة ومساعدة
العاجزين والسعي في قضاء حوائج الناس صلاحا وإصلاحا، وغيرها من الأخلاق التي تتعدى
منفعتها إلى الآخرين تعتبر عبادة في حد ذاتها. ومن كلامه العذب السلسبيل الذي يؤكد
ما قلنا قوله: "... ما دامت الدنيا دار عمل ومحل عبادة فالأمراض والمصائب عدا الدينية منها وبشرط
الصبر عليها تكون ملائمة جدا مع ذلك العمل، بل منسجمة تماما مع تلك العبادة حيث
إنها تمد العمل بقوة وتشد من أزر العبادة فلا يجوز التشكي منها بل يجب التحلي
بالشكر للّه بها حيث إن تلك الأمراض والنوائب تحول كل ساعة من حياة المصاب عبادة
ليوم كامل."([52]) ويقول أيضا :
"... فإذا ما تجمل المصاب بالصبر وفكر في ثواب ضره عند اللّه وجميل أجره عنده
وشكر ربه عليها تحولت عندئذ كل ساعة من ساعات عمره كأنها يوم من العبادة، فيغدو
عمره القصير جدا مديدا طويلا، بل تتحول – عند بعضهم – كل دقيقة من دقائق عمره
بمثابة يوم من العبادة..."([53])

وهكذا يظهر أن التحلي بمكارم الأخلاق يحول حياة المسلم
اليومي إلى عبادة ما دام يبتغي بهذا الانضباط الخلقي التقرب إلى اللّه تعالى.

7-
مبدأ التأسي والقدوة بالنبي صلى اللّه عليه وسلم:

ونقصد بهذا أن مفهوم الأخلاق تقوم على مبدأ التأسي والقدوة
بالنبي r لأنه أعلى من يجسد
أخلاق القرآن . فأي إنسان لا بد أن يقتدي بالنبي r
في أخلاقه وتصرفاته، لأنه( ... متصف
بأسمى مراتب محاسن الأخلاق باتفاق الأولياء وأنه صلى اللّه عليه وسلم هو المصطفى
المختار من بين بني البشر وهو أشهر شخصية فيهم باتفاق الجميع.. وما دام هو أكمل
إنسان، بل هو أكمل قدوة ومرشد بدلالات آلاف المعجزة ... وما دام ملايين من أهل
الكمال قد سموا في مراتب الكمالات وترقوا فيها بثمرات اتباعه فوصلوا إلى سعادة
الدارين ... فلا بد أن سنة هذا النبي الكريم r
وحركاته هي أفضل نموذج للاقتداء
وأكمل مرشد للاتباع والسلوك وأحكم دستور، وأعظم قانون يتخذه المسلم أساسا في تنظيم
حياته.

فالسعيد المحظوظ هو من له أوفر نصيب من هذا الاتباع للسنة
الشريفة.)([54])

ومن درر لمعاته ما يؤكد هذا الكلام: "...إن محمدا r هو المثال النموذج
لما بينه القرآن الكريم من محاسن وهو أفضل من تمثلت فيه تلك المحاسن بل إنه خلق
فطرة على تلك المحاسن . ففي الوقت الذي ينبغي أن يكون كل من أفعال هذا النبي
العظيم r وأقواله وأحواله
وكل من حركاته نموذج اقتداء للبشرية فما أتعس أولئك المؤمنين من أمته الذين غفلوا
عن سنته r ممن لا يبالون بها
أو يريدون تغييرها فما أتعسهم وما أشقاهم." ([55])

نعم ما أشقى وما أتعس من يطلب هديا في غير هديه r أو يستقي خلقا في
غير مصدر خلق النبي صلى اللّه عليه وسلم.

وهكذا يمكن القول بأن الأخلاق الإسلامية ربانية في مصدرها وغاياتها،
و أن أغلبها مبنية على أسس وقواعد وقيم
ثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتغير الظروف والأحول والمكان والزمان.

هذا بعض ما تيسر
قطفه في بيان مصادر الأخلاق عند العلامة النورسي والمبادئ التي تقوم عليها منظومته الأخلاقية من
خلال بعض رسائله.

المبحث الثالث: أثر
الأخلاق في الفرد والمجتمع:

إن أي مجتمع لا يمكن أن يعيش أفرادها بأمان وانسجام ما لم تربط
بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة.

فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية لا
يستغني عنها أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية؛ لأن بها يتم إصلاح الفرد الذي هو
الخطوة الأولى في إصلاح المجتمع كله، وصدق القائل:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

إذ كيف يكون هناك ثقة متبادلة بين
أفراد المجتمع لولا فضيلة الصدق التي اعتبرها العلامة النورسي أس أساس الإسلام، وعقد
الحياة في حياة الإسلام الاجتماعية. ([56])

وكيف يكون تعايش بين الناس في أمن
وسلام لولا فضيلة الأمانة . وكيف نتصور مجتمعا مثاليا، قادرا على قيادة العالم نحو
الأفضل بدون مكارم الأخلاق؟

إذا فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية
في كل عصر من العصور حتى تصير أفراد المجتمع أفرادا مسئولا وواعيا.

فالفرد المتخلق بمكارم الأخلاق لابد
أن يؤدي ما عليه من حقوق اللّه عز وجل، وحقوق الناس، فإن كان موظفا أو مسئولا فلا
بد أن يتقي اللّه في رعيته وفي أسرته، وأن يؤدي لكل ذي حق حقه . فكل إنسان مكلف
ومأمور بالتخلق بأخلاق النبي r وإحياء سنته
الشريفة.

وفي رسائل العلامة النورسي نصوص
عديدة تبين أهمية الأخلاق وضرورتها في المجتمع وأثرها في الفرد والمجتمع.

فيرى أن نبينا محمد r -الذي يجسد أخلاق
القرآن العالية- ما أثر في أصحابه ومجتمعه إلا بأخلاقه السامية . فقد استطاع-
بخلقه العالية- أن يغير قبائل العرب من
أخلاق البداوة والتوحش إلى أخلاق السيادة والقيادة، حتى صاروا أعظم خَلق في
العالم. يقول العلامة النورسي في رشحته السابعة: " ...ألا ترى هذه الأقوام
المختلفة البدائية في هذه الصحراء الشاسعة المتعصبين لعاداتهم المعاندين في
عصبيتهم وخصامهم كيف رفع هذا الشخص جميع أخلاقهم السيئة البدائية وقلعها في زمان
قليل دفعة واحدة ؟ وجهزهم بأخلاق حسنة عالية؛ فصيرهم معلمي العالم الإنساني
وأساتيذ الأمم المتمدنة. " ([57])
وبأخلاقه السامية أيضا " ...غلب على الأفكار، وتحبب إلى الأرواح، وتسلط على
الطبائع وقلع من أعماق قلوبهم العادات والأخلاق الوحشية المألوفة الراسخة المستمرة
الكثيرة . ثم غرس في موضعها في غاية الأحكام والقوة – كأنها اختلطت بلحمهم ودمهم-
أخلاقا عالية وعادات حسنة .. وقد بدل قساوة قلوب قوم خامدين في زوايا الوحشة
بحسيات رقيقة وأظهر جوهر إنسانيتهم، ثم
أخرجهم من زوايا النسيان ورقى بهم إلى أوج المدنية وصيرهم معلمي عالمهم
وأسس لهم دولة عظيمة في زمن قليل . فأصبحت كالشعلة الجوالة والنور النوار بل كعصا
موسى تبتلع سائر الدول وتمحوها . فاظهر صدقه ونبوته وتمسكه بالحق إلى كل من لم تعم
بصيرته. " ([58])

ويرى العلامة النورسي أن التحلي
بمكارم الأخلاق يؤدي إلى إزالة كثير من الأمراض المنتشرة في المجتمع، " ..إن
الصدق هو أس أساس الإسلام ... فعلينا إذا أن نحيي الصدق الذي هو حجر الزاوية في
حياتنا الاجتماعية في نفوسنا ونداوي به أمراضنا "([59])
كما يرى أن الصدق " أرواج مال وأقوم
متاع بل هو مفتاح جميع الحقائق ومرقاة عروج محمد r
إلى أعلى العليين..." ([60])

وأنه لا نجاة ولا سعادة إلا التمسك
بحقائق الإسلام التي تتمثل في التحلي بمكارم الأخلاق واتباع شريعته،يقول العلامة
النورسي: "... لا سعادة لأمة الإسلام إلا بتحقيق حقائق الإسلام وإلا فلا، ولا
يمكن أن تذوق الأمة السعادة في الدنيا أو تعيش حياة اجتماعية فاضلة إلا بتطبيق
الشريعة الإسلامية، وإلا فلا عدالة قطعا ولا أمان مطلقا إذ تتغلب عندئذ الأخلاق
الفاسدة والصفات الذميمة، ويبقى الأمر معلقا بيد الكذابين والمرائين..."([61])

كما يبين العلامة النورسي في رسائله
أن التزام الناس بمكارم الأخلاق يؤدي إلى تقدم المجتمع وسعادته، وأن الغرب ما
تفوقوا علينا إلا باتخاذهم ببعض المكارم التي يأمر به ديننا الحنيف، " ...و
هنا أنبه ببالغ الأسى والأسف إلى أن قسما من الأجانب كما سلبوا أموالنا الثمينة
وأوطاننا بثمن بخس دراهم معدودة مزورة كذلك
فقد سلبوا منا قسما من أخلاقنا الرفيعة وسجايانا الحميدة والتي بها يترابط
مجتمعنا، وجعلوا تلك الخصال الحميدة محورا لرقيهم وتقدمهم، ودفعوا إلينا نظير ذلك
رذائل طبائعهم وسفاهة أخلاقهم. فمثلا: إن السجية الملية التي أخذوها منا هي قول
واحد منهم : إن مت فلتحيا أمتي، فإن لي حياة باقية " هذه السجية أقوى أساس وأمتنه
لرقيهم وتقدمهم قد سرقوها منا؛ إذ هذه الكلمة إنما تنبع من الدين الحق ومن حقائق
الإيمان، فهي لنا وللمؤمنين جميعا، بينما دخلت فينا أخلاق رذيلة وسجايا فاسدة فترى ذلك الأناني الذي فينا يقول: إذا مت ظمآنا
فلا نزل القطر و " إن لم أر السعادة فعلى الدنيا العفاء" فهذه الكلمة
الحمقاء إنما تنبع من عدم وجود الدين ومن عدم معرفة الآخرة، فهي دخيلة علينا
تسمّمنا . ثم إن تلك السجية الغالية عندما سرت إلى الأجانب اكتسبت كل فرد منهم
قيمة عظيمة حتى كأنه أمة واحدة؛ لأن قيمة الشخص بهمّته، فمن كانت همته أمته فهو
بذاته أمة صغيرة...وبحكم أخذنا الأخلاق الفاسدة من الأجانب فإن هناك من يقول :
نفسي نفسي مع ما في أمتنا الإسلامية من
سمو وقدسية . فألف رجل مثل هذا الشخص الذي لا يفكر إلا بمصلحته الشخصية ولا يبالي
بمصلحة الأمة إنما ينزل بمنزلة شخص واحد.
" ([62])

كما يرى العلامة النورسي أن التزام
الناس بمبدإ الشورى يؤدي إلى انتشار
الإخلاص والتساند في المجتمع ومن درر كلامه في هذا المبدإ:

".. إن الشورى الحق تولد الإخلاص والتساند،
إذ إن ثلاث ألفات هكذا (111) تصبح مائة وإحدى عشرة، فإنه بالإخلاص والتساند
الحقيقي يستطيع ثلاثة أشخاص أن يفيدوا أمتهم فائدة مائة شخص. ويخبرنا التاريخ
بحوادث كثيرة أن عشرة رجال يمكنهم أن يقوموا بما يقوم به ألف شخص بالإخلاص
والتساند الحقيقي والشورى فيما بينهم. "([63])
كما يؤكد في رسائله أن التحلي بمكارم الأخلاق
يدفع إلى الاعتزاز بالنفس والتواضع في نفس الوقت والترفع عن السفاسف،
" ومن شأن امتزاج كثرة من تلك
الأخلاق وتجمعها وإحاطتها توليد عزة نفس التي تولد شرفا ووقارا يترفعان عن سفاسف
الأمور، كترفع الملائكة وتنزههم عن الاختلاط بالشياطين..." ([64])

ولبيان أثر الأخلاق أيضا يوضح
العلامة النورسي أن أسلافنا ما نجحوا في مهمتهم الدعوية إلا بأخلاقهم السامية، وأن
المسلمين اليوم لو تشبعوا بأخلاق القرآن لساد الإسلام في العالم ولدخل الناس في دين اللّه أفواجا،
ومن درر كلامه في هذا : ".. ولو أننا أظهرنا بأفعالنا وسلوكنا مكارم الأخلاق
الإسلام وكمال حقائق الإيمان لدخل أتباع الأديان الأخرى في الإسلام جماعات وأفواجا
. بل لربما رضخت دول العالم وقاراته للإسلام..." ([65])

ولا شك أن هذه النصوص التي جلبنا
من رسائل العلامة النورسي وغيرها من النصوص التي تركنا خوف الإطالة، والتي تقوي
بعضها بعضا كالبنيان المرصوص تؤكد أن الأخلاق عند العلامة النورسي ضرورة اجتماعية،
وأنه لا يمكن لأي مجتمع يريد التوازن في حياته أن يعيش بدونها، وأن التحلي بمكارم
الأخلاق يؤدي إلى سعادة المجتمع وتقدمه وانسجامه والاعتزاز بالنفس والتواضع، وأن
أي خلل فيها، يؤدي إلى خلل في المجتمع وفساده وأن الأمة الإسلامية لو التزموا
بمكارم الأخلاق التي يدعو إليها الإسلام لأصبحوا سادة العالم، ولما بقي أحد على
وجه الأرض إلا وتبنى هذا الدين. وأن هذه الخصال الحميدة تبقى حصنا حصينا للمسلم في
هذا الوقت الذي يتسم بالدمار، أخلاقيا وروحيا، وبإثارة هوى النفس الأمارة بالسوء
وبإطلاق الهوى من عقالها.([66])
وهكذا يظهر أثر الأخلاق في الفرد والمجتمع وضرورتها في الحياة، من خلال بعض رسائل
العلامة النورسي.

المبحث الرابع : وسائل اكتساب مكارم الأخلاق من
خلال رسائل النورسي:

لقد خلق اللّه البشر على طبائع
مختلفة، ووهبهم،أو أودع فيهم- فطريا- مكارم الأخلاق، لكنهم متفاوتون في هذه الهبة
الإلهية.

وهذه المكارم التي جبلوا عليها
منها ما هو غريزي ومنها ما هو مكتسب، ينمى ويربى، بعدة وسائل.

وفي رسائل العلامة النورسي نصوص
عديدة نيرة تبين الوسائل الناجعة لاكتساب مكارم الأخلاق وتنميتها، ومن هذه
الوسائل:

1-سلامة العقيدة: إن العقيدة السليمة لها أثر
كبير في تهذيب النفس وتقويم اعوجاجها وقلع كل ما فيها من الرذائل وتوجيهها إلى نهج
السلوك القويم،حتى يصبح ديدنة في الإنسان.إذًًا الإيمان القوي النابع من العقيدة
السليمة تثبت الأخلاق الفاضلة وتغرسها في نفس الإنسان.يقول العلامة النورسي
:" ..إن الإيمان دائما يقيم في القلب والعقل حارسا معنويا، أمينا، ... "([67]) كما أن الإيمان يعطي الإنسان قوة معنوية يصارع
بها جميع الحوادث والمصائب، ويكسب الإنسان عزة النفس والشفقة في نفس الوقت والترفع
عن الدنايا([68])

2-الإقناع الفكري: إن إقناع الإنسان بالمفاهيم
الإيمانية والأخلاقية التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف عن طريق النظر في
تعاليمه ومقاصده يدفع الإنسان إلى التحلي بهذه الأخلاق الفاضلة التي يدعو إليها
الإسلام ويحث عليها، والتخلي برذائلها
التي ينفر منها.

3-التدريب العملي والرياضة النفسية: إن التدريب العملي والممارسة
التطبيقية لفضائل الأخلاق ومجاهدة النفس فيها، مما يكسب الإنسان مكارم الأخلاق؛
ولذا اعتمد الإسلام على المجاهدة في تربية المسلمين في بعض المواقف، فرغب في بعض
الأعمال التي تبدو شاقة لتهذيب النفس وتطهيرها ونفر من بعضها. يقول سبحانه ﴿وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ﴾ ([69]) فمن جاهد نفسه لاكتساب فضائل
الأخلاق اكتسبها ؛لأن الأخلاق منها ما هو غريزي فطري ومنها ما هو اكتسابي يأتي بعد
الدربة والممارسة. وفي تنمية الأخلاق بالممارسة والمجاهدة يقول العلامة النورسي:
إن " .. نشوء الحسيات العالية، ونمو الأخلاق إنما هو بالمجاهدة، وتكمل
الأشياء إنما هو بمقابلة الأضداد ومزاحمتها. ألا ترى أن حكومة إذا جاهدت ينمو فيها
الجسارة، وإذا تركت انطفأت.."([70])

4-اختيار
البيئة الصالحة: إن البيئة لها دور كبير في تكوين الشخص خلقيا وعلميا
وثقافيا واجتماعيا، وقديما قالوا: " الإنسان ابن بيئته "، ولهذا ينبغي
للإنسان أن يختار البيئة الصالحة لتنمية أخلاقه، عن طريق التحلي بالعادات الحسنة
ومحاكاة الطيبين من الناس، حتى يصبح الخلق الحسن عادته وديدنه ويمسي جزءا منه.

5- القدوة
الصالحة: إن القدوة الصالحة هي المثال الواقعي للسلوك الأمثل، وهذا المثال قد يكون
حسيا يقتدى به وقد يكون حاضرا في الذهن
بأخباره وسيره؛ ولهذا يرى العلامة النورسي أن إدامة النظر في سيرته r الذي يعد أفضل نموذج للاقتداء وأكمل مرشد للاتباع والسلوك و إجالة النظر في
سيرة أصحابه رضوان اللّه عليهم مما يكسب الإنسان مكارم الأخلاق، كما يرى أنه يجب
على كل إنسان يريد أن يتخلق بأخلاق القرآن أن يتبع سيرته r وسنته الشريفة. ([71])
ويقول سبحانه وتعالى﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ الأحزاب: ٢١

6-اللزوم على العبادات والمحافظة عليها:

إن اللزوم على العبادات والمواظبة
عليها مما يهذب النفس وينقيها ويبعد عنها الرذائل، ويرسخ فيها العقائد ويربيها
وينميها، وبدون اللزوم على العبادات يكون آثار العقائد ضعيفة.

فالمواظبة على الصلاة مثلا وأدائها
في وقتها وفي الجماعة بخشوع وتدبر مما
يربي في الإنسان الأخلاق الفاضلة وينميها ويبعدها عن ارتكاب المعاصي يقول سبحانه ﴿لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ
وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ كما أن المواظبة على الصيام مما يهذب النفس ويقوم السلوك، وينشئ
الأخلاق الفاضلة في الإنسان من رحمة وبر وصلة وانضباط . كما أنه يقوي الأمانة
والعزيمة والإرادة ويعلو الهمة، ويؤدي إلى التقوى الذي يحتاج إليه المسلم في كل
أحواله.

ومن آراء العلامة النورسي النيرة
في هذا إن صيام رمضان، تتوجه إلى تربية النفس وتزكيتها وإلى القيام بالشكر تجاه
النعم الإلهية.. وإلى تهذيب النفس الأمارة
بالسوء، وتقويم أخلاقها، وجعلها تتخلى عن تصرفاتها العشوائية ،و أن بالصوم يروض
الإنسان لسانه على الصوم من الكذب والغيبة ويرطب لسانه بتلاوة القرآن وذكر اللّه
سبحانه والتسبيح بحمده ويغض بصره عن
المحرمات ويسد أذنه عن الكلام البذيء وغيرها من الذنوب والصغائر التي تؤثر في عمل
الإنسان. فالصوم إذن علاج ناجع لهلع الإنسان وقلة صبره، ووسيلة فعالة لتهذيب النفس
وكسر شهوتها وكسب مكارم الأخلاق .([72])

كما أن إعطاء الزكاة إلى
مستحقيها وانشراح الصدر عند إخراجها مما يكسب الإنسان مكارم الأخلاق ويقلع فيه الأخلاق الرذيلة ،و يجعله يتعود على
البذل والعطاء و يتخلق بأخلاق اللّه تعالى.([73])

7-اتخاذ مبدأ الشورى في الحياة مما يكسب الإنسان بعض الأخلاق
الفاضلة وفي هذا يقول العلامة النورسي: " ...إن الشورى الحق تولد الإخلاص
والتساند ... و يخبرنا التاريخ بحوادث كثيرة أن عشرة رجال يمكنهم أن يقوموا بما
يقوم به ألف شخص بالإخلاص والتساند الحقيقي والشورى فيما بينهم "([74])

8-الامتثال بالأوامر
واجتناب النواهي مما يكسب الإنسان
الخلق الحسن ويرسخ في قلبه الأخلاق الفاضلة.

9-إيثار الحياة
الأخرية على الحياة الدنيوية وتذكرة الموت وملاحظة فناء الدنيا وزوالها،مما
يكسب الإنسان القناعة ويكسر فيه شهوة حب الدنيا والطمع في زهرتها.

10-معرفة الشخص بقصوره في
قرارة نفسه، وترك الإعجاب بالنفس
والغرور مما يكسب الإنسان مكارم الأخلاق.

11-الافتخار
بصحبة السالكين في منهج الحق، وربط عرى المحبة معهم، والسير خلفهم، وترك
شرف الإمامة لهم مما يكسب الأخلاق الفاضلة .

12-ترك دواعي الحسد
والمنافسة والأحاسيس النفسانية التافهة التي تؤدي إلى التباغض والتناحر.([75])

13- قراءة القرآن
بتدبر وتعقل و إدامة النظر فيه مما يهدي الإنسان إلى الحق وإلى
الطريق المستقيم والتحلي بمكارم الأخلاق﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي
هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ
أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ الإسراء: ٩

14-
إدامة النظر في رسائل النور التي تعد تفسيرا مهما للقرآن وبرهانا باهرا
له ولمعة براقة من لمعات إعجازه ورشحة من ذلك البحر الذي لا ساحل له مما يرقق
القلب ويكسبه مكارم الأخلاق.([76])

الخاتمة:

هذا بعض ما
تيسر قطفه من رسائل بديع الزمان النورسي في هذا الموضوع وهي رسائل حافلة بنصوص
قيمة في مجال الأخلاق وغيرها من الموضوعات التي تعد مواضيع ذات أهمية بالغة لتقدم المجتمع وحل قضاياه في هذا الوقت الراهن.

وبعد هذه
الجولة السريعة التي قمنا بها في رياض كليات رسائل النورسي نقرر ما يلي:

1-أن مفهوم الأخلاق
عند العلامة النورسي يعني التخلق بكل ما جاء به القرآن والسنة، و كل سلوك خيّر
يقوم به الإنسان بإرادة خيّرة، لغاية خيرة. وأن مفهومها واسع جدا يدخل في إطارها
جميع العلاقات الإنسانية، وحتى علاقات الإنسان مع غيره من الكائنات.

2- إن أهم ما
ينبغي أن يتحلى به الإنسان في الوقت الراهن الذي يتسم بإثارة الشهوات هو التقوى، والصدق
الذي يعد أس أساس الإسلام وواسطة العقد في حياة الإسلام الاجتماعية.

3- إن الأخلاق
الإسلامية لها علاقة وطيدة بالعقيدة والعبادات،لذا لا ينبغي الفصل بينها.

4- إن التحلي
بمكارم الأخلاق، يؤدي إلى تقدم المجتمع الإسلامي، وإلى سعادته، وخروجه من هذه
الأزمة التي يعيشها، وأن الالتزام بها هو الترياق لكل المعضلات التي يعاني منها
المسلمون حاليا.

5- إن التحلي
بالأخلاق الإسلامية وتطبيقها في الوقع العملي لهو أفضل وسيلة لانتشار الإسلام
واستقطاب الآخرين إليه.

6- إن أفضل عمل
مؤثر يقدمه المسلمون للآخرين وأجمل صورة يرسمها المسلمون للإسلام، وأغلى هدية
يهديها المسلمون اليوم للع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
اثار الاخلاق على غيرك
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اثار الاخلاق على غيرك
» طبق الاخلاق
» المدح ومكارم الاخلاق
» ليس لنا غيرك يااااااااااا الله
» تميزي ع غيرك واكيييد باللون الاحمر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
صفوة الخلان :: القسم الاسلامي العام :: طريقك الى الجنة-
انتقل الى: